
كنت أتعجب كيف يمكن لطاحونة أن تصنع ( البوز ) وهذا فعلاً ما كان يحصل .
إنها طاحونة حج رزوك .

ما بين الستينيات والسبعينيات كنا نذهب في أيام صيف دير الزور الجهنمية لنقف ساعات طوال في الطابور, من أجل الحصول على قالب بوز وقتها كنا أطفالا ونجد تسلية في مشاهدة العمال وهم يسحبون قوالب الثلج البيضاء من المكان المخصص .
كانت الطاحونة تقع في وسط البلد وبالتحديد منطقة الحركة حاليا.
تجد الزحام على أشده بسكليتات عربانات بيكابات كلها تأتي لشراء البوز .
لم تكن البرادات المنزلية وقتها أو كانت قليلة جداً ومن أجل شرب الماء البارد أما من المزملة أو استعمال قطع البوز وفي تلك الفترة كان بائعوا البوز ينتشرون بكثرة في الدير وتراهم أمام المحلات أو زوايا الشوارع الرئيسية يضعون قوالب البوز على طاولة ويغطونها بالشوالات كي لا تذوب بسرعة وبيدهم المنشار يقطعون حسب الطلب ثم يحدثون شقا في قطعة الثلج ويدخلون فيها خيطا من أجل حملها.
اختفت هذه المهنة تدريجيا بعد وصول البرادات وانتشارها لكن ثمن البراد كان مرتفع آنذاك ولا تستطيع أن تقتنيه سوى الطبقة الميسورة والقليل من الآخرين وعلى ذكر البراد سوف أتكلم قليلا عن البراد وهمومه .
المشكلة لا تكمن في البراد بل بالمصيبة التي يجلبها لنفسه من يشتري البراد فالجيران كلهم يطلبون أن يضعوا طعامهم عنده ولا ترى سوى النساء والصبية يحملون القداري والصحون كي تضعها لهم في البراد ومشكلة أيضا إن اعتذرت لأن الاعتذار يسبب الزعل والعتاب وغيره وبهذا يصبح بيت من لديه براد مزاراً في أوقات القيلولة وأوقات الراحة سواء لوضع الطعام أو لاسترجاعه.
والطريف هو عندما يعودون لاسترجاع الطعام يحصل التباس وتختلط القداري ويحصل أن يكون أحد قد أخذ بالغلط أو متقصد صحن الآخر 😅 والمفاجأة أنك تضع مثلا قدرية محشي أو لحمة لتجدها ثاني يوم مجدرة 😅 .
كانت البرادات في المنازل تشغل أرقى الأماكن يضعونها في غرفة الضيوف أو مكان بارز للتباهي بها ومنهم من يعلق على البراد الخرز الأزرق والآيات القرآنية عن العين .
رحم الله أيام البساطة ورحم أيام النملية .