عادات وتقاليد
المعادة >> من قلب الحدث

يقول شاهد العيان :
((سمعت قبيل الغروب وأنا في بيتي الصغير …أصواتا ناعمة ترافقها دقات دفوف …ما عرفت هل هي ترح أم فرح ؟
وخرجت ..لأستقصي الخبر …فرأيت مشهدا عجيبا , جمعا كثيفا من النساء _ ربما عددهن حوالي مائة – اللابسات العبي السود الفضفاضة والمتحجبات بأغطية صفيقة , يمشين كتلة واحدة مشيا بطيئا موزونا …وفي وسطهن المرأة الندّابة..تنشد أناشيد الرثاء بأنغام شجية ..ترددها النسوة على نفس الوتيرة …وبين تلك الكتلة نساء يحملن الدفوف , ويدقنها ونساء أو فتيات تقفزن من حين لآخر وتهتز أعطافهن وتنتفض نهودهن أمام أنظار المارة .
ولما رأيت هذا المنظر المخالف للشرع والعقل استنكرته )) عن مذكرات المهندس الباحث والكاتب أحمد وصفي زكريا عام 1916 م .
وعندما يدخلن دار المتوفي يعقدن حلقة رثاء وصياح وعويل ولطم ويبكين بشدة مع الزفرات والشهقات وقد تصل إلى شق الثوب ..وهذا ما يسمى بالمعادة ((حلقة المعادة ))
واشتهرت السيدة خرمة السليمان الحمد ( 1800 – 1910 م )..بالرثاء في المعادات التي تعقد في مناسبات العزاء ..
كانت هذه الشاعرة الموهوبة تعطي لكل ذي حق حقه مدحا أو قدحا وتحول الرثاء أحيانا إلى هجاء…
تقول في رثاء ابنها رزوق الذي مات شابا :
شدي على الحمره يا عيني ….
يطولو نبعة ِ حليت بعيني
علوه تنشرى, رزوق , ياعيني …
تا تشم العذيبي والهوا بآذار
وقد كانت العادة مشاركة النسوة في دفن الميت …ويذهبن كل صباح إلى المقبرة و يظلن إلى المساء,
اعتقادا بأنهن يؤانسن الميت ….وتدوم العملية عشرة أيام .
ومن الملاحظ في السنوات الأخيرة أن ظاهرة الندابة و المعادة تراجعت سواء في المدينة أو في الريف.
…وكون أن المعادة أو الندابة بمثابة بدعة تبعد من حضروا العزاء عن التذكّر والتدبر في مفهوم الموت وأن الحياة قصيرة (عبرة الموت )
..وتلك من عادات وتقاليد دير الزور إلى النصف الأول
من القرن العشرين, وقد تراجعت وهي أقرب للاندثار .
الباحث : غسان الشيخ الخفاجي



